Wednesday 9 November 2011

عبدالله الثاني ومسلسل اللحوم في الأردن
من قلم : محمد نداف
ما أشبه الظروف السياسية والإقتصادية والإجتماعية في الأردن بتلك الظروف التي سادت أوروبا في القرون الوسطى حيث كان المجتمع أنذاك يضم فئة قليلة من النبلاء الإقطاعين وكان السواد الأعظم من الشعب يرزح تحت نير الفقر والحرمان، حين كان النبلاء يقومون بفرض الضرائب والإستيلاء على الأراضي والأهم أنهم كانوا يظلمون الفقراء ويضطهدونهم وكما تذكر الروايات ظهر أحد الأشخاص في تلك الفترة بإنجلترا يدعى روبن هود حيث كان يحارب الفساد والقمع وكان يقوم بسرقة أموال النبلاء ليعيدها إلى المواطنين الفقراء ، وكان من ألد أعدائه شريف نوتينغهام الذي كان صاحب قلب لا يعرف معنى الرحمة وكان ظالم يستمتع بقهر الضعفاء وسلبهم كل ما كانوا يملكون.
ما إنفك الإعلام الهاشمي يصور لنا الملك بروبن هود فها هو ذا الملك يأمر بسبب إرتفاع أسعار اللحوم وبمناسبة عيد الأضحى بتوزيع سبعة ألاف أضحية على ١٤ ألف عائلة فقيرة ولكنهم على ما يبدوا نسوا أن يشخصوا لنا شريف نوتينغهام ! فلطالما خرج علينا الملك يوعز بتوزيع مكرمة هاشمية هنا ومنحة وأعطيات هناك وكأنه يتصدق على الشعب من جيبه الخاص الذي ملئه من عرق جبينه وتناسى المطبلون والمهللون بأن مصدر أموال تلك الصدقات من جيب المواطن الذي إرهق من جراء دفع الضرائب التي يتفنن النظام برسمها وثمن بيع الأردن جغرافيا وسياسيا وتناسوا كذلك سبب تفشي حالة الفقر والحرمان التي يعاني منها أغلبية الشعب الأردني الذي بات هدفه الأقصى تحقيق إكتفائه الغذائي بسبب السياسات المتبعة و غير المتبعة من قبل النظام والتي ساهمت بشكل فعال على إفقار المواطن.
يقدر إستهلاك الشعب الأردني من اللحوم بحوالي ١٦ الف طن سنويا من اللحوم البلدية و٣٦ الف طن من اللحوم المستوردة الطازجة وحوالي ٢٠ الف طن من اللحوم المستوردة المجمدة ويقدر حجم الإنفاق بحوالي مليار دولار سنويا ويتم إستيراد اللحوم بشكل رئيسي من أثيوبيا وأستراليا ونيوزيلاندا والصين والبرازيل. ومع أن حجم الإنفاق كبير نسبيا فإن شركة واحدة تسيطر على ٨٠% من السوق المحلي مما أدى إلى إرتفاع أسعار اللحوم.
حجازي وغوشة هي الشركة التي تحتكر سوق اللحوم بالأردن ويشاع وكل ما يشاع صحيح بأن الملك عبدالله شريك في تلك الشركة بل وشريك مع كل الحيتان التي تحتكر السوق من أمثال مضر بدران الذي يحتكر الحديد وإمسيح الذي يحتكر تجارة الذهب والبخيت الذي يحتكر الألمنيوم والقائمة تطول، المثير للإستغراب بأن الملك لم يكتفي من المنح الخارجية ومن بيوعات شركات وأراضي الدولة التي يجيرها لحسابه الشخصي وميزانية الديوان الملكي التي بلغت ١,٢ مليار تقتص مباشرة من الموازنة العامة التي بلغت ٧ مليار فقط أي يخصص لديوان ما نسبته ١٨% من الميزانية والباقي يتم نهبه تباعا، يقدم الملك وأدواته لشركائه إعفائات ضريبية ويمنحهم أراضي مجانية من الدولة ويضمن إحتكارهم للسوق عن طريق وضع كافة العراقيل والمعوقات أمام المستوردين الآخرين الذين يحاولون الولوج إلى السوق المحلية، وفي حال دخول أحد التجار أو المستوردين لقطاع أحد الحيتان يقوم الأخير بخفض سعر منتجه بسعر يصل أحيانا لأدنى من سعر التكلفة أي بمعنى آخر يقوم بحرق السعر وغالبا ما يفلس التاجر بعد تلك الممارسات الغير قانونية و الغير أخلاقية، وطبعا سعر التكلفة على الحيتان المحتكرين شركاء القصر يكون أقل بكثير منه على التجار بسبب الإعفائات الضريبية التي تمنح للمحتكرين وبسبب التكلفة الإضافية والخسائر التي يتكبدها التاجر نتيجة المماطلة بإجرائات تخليص البضائع.
قامت وزارة الزراعة بوضع مجموعة من الشروط التعجيزية على عملية إستيراد اللحوم لتناسب فقط عدد محدود جدا من الشركات والتي حددت لكل منها حصة لا تتجاوزها وبالطبع فإن لشركة حجازي وغوشة نصيب الأسد كما ذكر سابقا، ومن ضمن تلك الشروط عدم توقف شحنة الماشية إلا في ميناء العقبة وهذا يستدعي توفير باخرة لكل مستورد علما بأن كلفة الباخرة الواحدة تصل ل ٧ مليون دولار وكما يقول المثل' إذا ما بدك تجوز بنتك غلي مهرها'. وتم أيضا إعفاء تلك الشركات من الرسوم الجمركية بواقع ٥% و دينارين عن كل رأس من الضأن والماعز و٥% و ١٠ دنانير عن كل رأس من الابقار. ومع أن هامش الأرباح يتعدى نسبة ١٠٠% أحياننا كثيرة حيث متوسط سعر الكلفة ٣,٥ دينار للكيلوا يباع بسعر يتعدى ٨ دنانير فإن جميع التجار وإن يملكون هذه المبالغ تجدهم يعزفون عن هذه التجارة حيث أنهم لن يخاطروا بدخول لعبة حددت نتائجها مسبقا.
ما يثبت تورط القصر بقضايا الإحتكار هو تواطئ الحكومات المتعاقبة والتسهيلات التي تقدمها للمحتكرين والعلاقات الشخصية التي تربط المحتكرين بالملك وعائلته، والأهم عدم خضوع المحتكرين لأي مسائلة قانونية. وبما أن الملك هو من يعين الحكومات ويوجهها فلم نسمع ولو لمرة واحدة عن وضع خطط حقيقية تهدف لتحسين الوضع الإقتصادي للمواطنين وإنما نسمع شعارات مطاطية وتنظير سطحي ومؤتمرات لا طائل منها، وجميع الخطط موضوعة لتحسين الوضع الإقتصادي للملك وحاشيته ولبعض رؤوس الأموال من خلال زيادة نسبة الضرائب وإحتكار السوق. إن إصلاح الوضع الإقتصادي للمواطن لا يتأتى من خلال توزيع ألاف الأضاحي أو من خلال توزيع طرود خيرية أو من خلال ٥٠ أو ١٠٠ دينار تمنح بالمناسبات أو لإمتصاص الغضب الشعبي، الإصلاح الإقتصادي يكمن بوقف السرقات ووقف بيوعات أصول الدولة وضبط الإنفاق العام و لن يتم بمعزل عن تغير سياسي والعكس صحيح فلا تستخفوا بعقول المواطنين.
بما أن الشعب أخيرا قد صرح بكفره بهذا النظام فيجب إتخاذ خطوات أكثر جرأة من أجل إجراء تغيير سياسي جذري والعمل من أجل تحقيق إزدهار إقتصادي يقوم على مبدأ العدل والمساواة في توزيع الثروة، وأقترح هنا أن تبدأ ثورة إقتصادية مساندة للثورة السياسية، الهدف من الثورة الإقتصادية هو ببساطة تحرير السوق المحلية من الإحتكار وإعادة صياغة القيم الرأسمالية بحيث نتحول من إقتصاد الأفراد إلى إقتصاد جماعات أو تكتلات إقتصادية وطبعا ليس المقصود الإنتقال للإشتراكية. أما آلية التطبيق بداية أن يقوم المواطنون بتأسيس شركات مساهمة عامة في جميع القطاعات الحيوية التي تخدمهم كالقطاع البنوك والإتصالات والخدمات، بحيث يكون المواطن هو المستفيد الأول، فمثلا يتم تأسيس شركة وطرح مليون سهم قيمة كل سهم عشرة دنانير ولكل مواطن الحق بإمتلاك سهم واحد فقط بمعنى أن يكون الهدف ليس إستثمار وإنما خفض سقف الأسعار في السوق المحلية والحصول على منتجاتهم بسعر مدعوم وبالطبع سوف يتم خلق الآلاف من فرص العمل و سيكون للمستثمرين الحق بإنتخاب مجالس الإدارة ومراقبتها ومحاسبتها ويكون التعين حسب الكفاءة بهذا يتم التخلص من مشكلة البطالة وإحتكار السوق حيث أنه وبلا شك حتى لو قام الحيتان بتشكيل إئتيلاف وقاموا بحرق الأسعار فإن المليون مستثمر من المستبعد أن لا يكون لديهم وعي بتلك السلوكيات المكشوفة وسيكون لديهم ولاء لمنتجهم وكذلك سيكون لديهم موقف حازم تجاه التجار ومن يقف خلفهم.

No comments:

Post a Comment